تـونـس الـحـزيـنـة !
راديو مهدية / بقلم جُهَيْنَة : «لقيتُها ليتني ما كنتُ ألقاها، تمشي وقد أثْقلَ الإملاقُ مَمْشاها». مَنْ منّا نسي هذه المحفوظات في الابتدائي؟ كنا نقرأها سعداء لأننا لم نكن نعي السّواد الكامن في تفاصيلها. اليوم رأيتُها بأدقّ ملامحها مهمومة تائهة تكاد تُسقط من حضنها ابنتها الرضيعة. جسد هذه الأخيرة نحيل بعينيْن غائرتيْن وبكاء تنفطر له القلوب. سألتُ الأمّ عن سبب ألمها فقالت:حين حملتُ بصغيرتي فرح بها كل أبنائي وتحلّقوا حولي وساعدوني حتى كان المخاض واحتفوا يدا واحدة بقدومها، فتخيّلتُ أنني سأصبح أسعد أمّ في العالم. ولكن«يا فرحة ما تمّت»، فقد تخاصم أبنائي على أحقيّة رعايتها ومع أنني طلبتُ منهم رعايتها جماعيا بالتوافق والحوار إلاّ أنهم رفضوا، شعارهم في ذلك: أنا الأجدر، أنا أو لا أحد!. هذا بشرعيّة الصندوق ينادي وذاك بناقوس الشارع الثوري يدق. وبين هذا وذاك ضاع دليلي وطال سواد ليلي وتوزّعتْ ابنتي بينهم إلى ألف شقّ وشقّ.
وأنا في حوار مع أمّها، كانت البنت التي لم تتجاوز السنتيْن إلا بثلاثة أشهر تصغي باهتمام، وملامح وجهها تشي بما لم يبح به لسانها من الوهن، كأنها تقول:حين جئتُ، تخيّلتُ أن يُصبح شمال أمّي كجنوبها ووسطها وأن تخضرّ من جديد وتأتي الحريّة بالعيد السعيد وأن يجتمع أولادها على العمل والحياة والاعتدال لا على الشتائم والتناحر والاغتيال، هذا ما لم يكن في الحسبان وأمنيتي أن يتراجع أبناؤها عن غيّهم قبل فوات الأوان!. نعم قلتُ لكم لمحتُها اليوم: كانت الأمّ تونس تحمل بصعوبة ابنتها الثورة ولا أعرف إلى أيّ الثنايا سيسير بها الأشقياء من أولادها !
12:26:00 م